في زمان الفتن، يشتكي الجميع من الإنقطاع عن الله تعالى .. وبعد إنقضاء مواسم الطاعات والقُرب وتذوق لذة الإيمــان، تأتي عليكِ أوقــــات الغفلة وتستحكم الدنيـــا على قلبِك مرة أخرى ..
فإن كنتِ تخشين على نفسكِ من الفتن، ينبغي أن تأخذي القرار بالفرار إلى الله تعالى .. يقول الله عزَّ وجلَّ{فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ، وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ}[الذاريات: 50,51]
فرار السعداء وفرار الأشقيــــاء .. وقد بيَّن ابن القيم حقيقة الفرار إلى الله تعالى، فقال في (مدارج السالكين) "وحقيقة الفرار: الهرب من شيء إلى شيء وهو نوعان: فرار السعداء وفرار الأشقياء .. ففرار السعداء: الفرار إلى الله عزَّ وجلَّ، وفرار الأشقياء: الفرار منه لا إليه، وأما الفرار منه إليه : ففرار أوليائه" .. وقال سهل بن عبدالله " فروا مما سوى الله إلى الله ".
فهيًّـا بنـــا نفرّ من كل ما يبعدنا عن الله عزَّ وجلَّ
إلى كل ما يُقربنا إليـــه سبحانه وتعالى ..
أولاً: الفرار من الجهل إلى العلم ..
فكل المعاصي التي تقعين فيها سببها الجهل عن الله تعالى، يقول
تعالى {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ ..} [النساء: 17] ..
وليس المقصود بالعلم مجرد المعارف الذهنية التي تحصلينَّها من
تعلُّم العلوم الشرعية، وإنما المعرفة عن الله عزَّ وجلَّ وتقديره حق
قدره .. يقول ابن القيم "الجهل نوعان: عدم العلم بالحق النافع
وعدم العمل بموجبه ومقتضاه، فكلاهما جهل لغة وعرفا وشرعا وحقيقة"
فلا بد أن نُبدد ظلمات الجهل ونفرّ منها إلى نور الهداية ..
إلى نور الإيمان الحقيقي والمعرفة بالله عزَّ وجلَّ،،
فعليكِ بإتبـــاع منهج علمي مُحكَّم والعمل بموجب ما تعلمتي ..
وإليكِ هذا المنهج البسيط لتبدأي به ..
أ) دراسة أسبوعية لاسم من أسماء الله تبارك وتعالى ..
وتبحثي عن تطبيقات واقعية للتعبد بهذا الاسم حتى تنفي عن نفسك الجهل ..
ولتبدأي بدراسة اسم الله الحي ..وتستشعري مدى قدرته
سبحانه على إحيـــاء قلبك الذي قد قتلته الغفلة وحب الدنيا .. قال
تعالى {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ، اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [الحديد: 16,17]،
فلن يُفرِّج عنك كربك ويحيي لكِ قلبِك، سوى الله تعالى الحي الذي يُحيي الأرض بعد موتها ..
ب) حفظ سورة الأنعـــــام خلال شهر ..
لكي تتعرفي من خلال
آياتها على ربِّك سبحانه وتعالى، وتبحثين عن المعاني التي
يحتاجها قلبِك لكي يتطهَّر من التعلُّق بغير الله تعالى.
جـ) التطبيق والتنفيذ لما توعظين به، وعدم الإكتفاء بالسماع التقليدي ..
يقول تعالى {.. وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا}[النساء: 66]
فلو لم يكن عندك الحافز والهمة للتنفيذ، فإن هذا العلم سيُقيم
عليكِ الحُجة ثمَّ سوء المُنقلَّب عند ربِّ العالمين.
ثانيــًا: الفرار من الكســل إلى الجد والاجتهـــاد ..
يقول الله عزَّ وجلَّ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآَخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ، إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[التوبة: 38,39]..
فتعلقُك بالدنيــا هو سبب تثاقُل خطواتك في الطريق إلى الله تعالى،
ودائمًا تُبررين كسلك بالظروف المُحيطة وعدم وجود صحبة تُعينك
على الطاعة ..
يــا أختـــاه، عليكِ بالجد والاجتهاد ولا داعي للتردد والفتور والكسـل ..
احذفي كلمــات التسويف من قاموسك:: السين، وسوف، وعسى، ولعل ..
يقول ابن القيم "الجد هو:صدق العمل وإخلاصه من شوائب الفتور
ووعود التسويف والتهاون، وهو تحت السين وسوف وعسى ولعل ..
فعليكِ أن تُحددي أهداف مرحلية لكل فترة زمنية ..
وتستعيني بالله عزَّ وجلَّ لتحقيقها .. وتعاقبين نفسك أشد العقاب
، إذا لم تحققي هذه الأهداف خلال الفترة الزمنية المُحددة.
ثالثًا: الفرار من الدنيــــا إلى الزهد فيها ..
وهـذا يكـون من خلال ثـلاثة أمور:
1) عدم الفرح بوجودها أو الحزن على فقدانها ..
قال تعالى {لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آَتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [الحديد: 23]
2) عدم إنتظـــار ثمرات الدنيـــا ..
فيستوي عندِك ثناء الناس وذمهم، لأن الدنيــا ليس لها وزن في قلبِك.
3) أن يكون أُنسِك بالله وحده ..
فيكون فرحك بلذة الطاعة، وليسبلذات الدنيـــا الفانيـــة فينبغي ألا تُفكري في أحزان الماضي، ولا تقلقي على المستقبل لأنه في علم الغيب والله سبحانه وتعالىسيدبره ..
فرِّي من نكد الدنيــــــا إلى سعــــادة الإقبـــــال على الله سبحــــانه وتعالى ،،
4)الفرار من الهم إلى حسن الظن..
يهرب من ضيق صدره بذلك كله إلى سعة فضاء الثقة بالله تبارك وتعالى وصدق التوكل عليه وحسن الرجاء لجميل صنعه به وتوقع المرجو من لطفه وبره ..
ومن أحسن كلام العامة قولهم:لا همَّ مع الله ..
{.. وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ..}[الطلاق: 2,3]
خامسًا: الفرار من الشك إلى اليقين ..
فرّي من مجرد المعرفة الذهنية إلى الرسوخ واليقين والثبات ..
فأكثِّري من السماع عن وصف الجنة ..
حتى تعيشي في رياضها .. وكلما مررتِ على أي من متاع الدنيا
الزائل، تجدين الجنة في قلبك أعلى وأعظم ويزداد شوقِك إليها.
يا أختــــاه، خذي القرار من الآن بأن تفري إلى الله .. فرّي من
حظ نفسكِ ومن هواكِ إلى مراد ربِّك جلَّ جلاله ..
يقول تعالى{فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ، وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ}[الذاريات: 50,51]
ختاماً نسأل الله العلي العظيم أن يجعل نوايانا خالصة لوجهه الكريم ، هذا الموضوع كان تلخيصاً لمقالة في أحد المواقع الإسلامية وأسأل الله أن يجزي كل من شارك في هذا العمل الصالح خير الجزاء
لا تنسونــا من صالح دعــائكــم